الأولــــــــــــويــــــــــــات

عندما يولد الانسان فانه يقوم بتكوين مبادئه للمرة الاولى اثناء طفولته بشكل غير واع من خلال فطرته التى فطر عليه بحب الخير , ومن خلال التربية والمؤثرات البيئية والإجتماعية , وتكون القيم فى اعلى درجات النقاء
لذلك استعمالنا مصطلح براءة الطفولة للتعبير عن هذا الصفاء والنقاء في قيم.

ومع دخول الإنسان في مرحلة المراهقة تبدأ مجموعة جديدة من القيم بالتغلغل
من خلال تفتح مشاعره وغرائزه المختلفة وسعيه لتلبيتها ورغبته في الحرية من القيود التى يشعر أنها تفرض عليه من الأهل والمجتمع بسبب صغر سنه
وعادة ما تكون هذه المجموعة من القيم الجديدة مزيجاً من قيم براءة الطفولة وقيم الكبار الذين له احتكاك مباشر بهم خلال هذه الفترة ,,
وتعتبر من أخطر المراحل العمرية لعدم الاستقرار الذى يمثل شكلاً من أشكال النمو , والإضطراب النفسى خصوصاً في ظل الحضارة المدنية الحديثة , ويصبح الأمر أكثر خطورة عندما لا تتوفر العناية النفسية المناسبة له من قبل الكبار .
ثم يحين الدور على نقطة التوازن بين مرحلة المراهقة ومرحلة النضج حين يصبح الإنسان قادراً على انتقاء مبادئه بنفسه .

بعد ذلك يأتى الامر الاهم الذى يعالج قضية اختلال النِّسب واضطراب الموازين في تقدير الأُمور والأفكار والأعمال، وتقديم بعضها على بعض، وأيها يجب أن يُقدّم، وأيها ينبغي أن يُؤخَّر، وأيها ترتيبه الأول، وأيها ترتيبه السبعين ولا سيما مع ظهور الخلل في ميزان الأولويات فى عصرنا .

ولقد قسمت الاولويات الى ثلاثة اقسام :
1 / الضروريات : وهى ما لا حياة بغيرها, وقد قسم العلماء الضروريات الى خمسة اجزاء (أ) الدين (ب) النفس (ج) العقل (د)النسل (و) المال
ومما لا شك فيه ان الدين أولها وأهمها وهو مقدم على كل الضروريات وحتى النفس
2 / الحاجات : وهى ما يمكن العيش بغيرها ولكن مع المشقة والحرج
3 / الكماليات : ما يزين الحياة ويكملها

وفى النظر الى حياتنا فى جوانبها المختلفة مادية كانت أو معنوية، فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو غيرها وجد ميزان الأولويات فيها مختلاً كل الاختلال , مثلما نجد اهتمام الشباب برياضة الأبدان مقدما على الاهتمام برياضة العقول فهل الانسان بجسمه او بعقله او بنفسه ؟؟
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته ***** اتطلب الربح مما فيه خسران ؟
أقبل على النفس واستكمل فضائلها ***** فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان !
وقد اهملوا بعض الفرائض العينية، أو أعطوها دون قيمتها، مثل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي قدَّمها القرآن على الصلاة والزكاة في وصف مجتمع الإيمان. قال تعالى: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ... ) (التوبة: 71)،
وجعلها السبب الأول في خيرية الأمة: ( كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) (آل عمران: 110)
وكثيرا ما نسمع كلمة (وانا مالى) التى يظن الناس انها (ابعد عن الشر)
ونسمع من يسب الدين ولا نتكلم ولو اننا نصحنا بكلمة واحده مثل (لا تسب الدين بارك الله فيك) ومع تكرار سماع من يسب الدين لهذه الكلمة سيفكر وقد لا يفعها بعد ذلك .

واهتموا ببعض الأركان أكثر من بعض، فاهتموا بالصوم أكثر من الصلاة، فلهذا لم يكد يوجد مسلم مفطر في نهار رمضان ولكن تجد من يفطر ويتجمع على المقاهى ولا يصلى العشاء او التراويح او من يتسحر عليها ولا يصلى الفجر فى جماعة . وهناك الكثير.

هذا الخلل الكبير الذي أصاب أمتنا اليوم في معايير أولوياتها، حتى أصبحت تُصغِّر الكبير، وتُكبِّر الصغير، وتُعظِّم الهين، وتُهوِّن الخطير، وتُؤخِّر الأول، وتُقدِّم الأخير، وتكترث للصغائر، وتستهين بالكبائر .. كل هذا يجعل الأمة اليوم في أمَسِّ الحاجة إلى " فقه الأولويات "، لتُبدئ فيه وتُعيد، وتناقش وتحاور، وتستوضح وتتبين، حتى يقتنع عقلها، ويطمئن قلبها، وتستضيء بصيرتها، وتتجه إرادتها بعد ذلك إلى عمل الخير وخير العمل .
وهناك الكثير من الاولويات كأولوية تقديم الكيف والنوع على الكم والحجم
وأولوية العلم على العمل والفهم على الحفظ والإجتهاد على التقليد .....
والتحول الى هذه النقطه يأتى عن طريق التدريج بالإعداد والتهيئة الفكرية وإيجاد البدائل وتعين الهدف ووضع خطه وتعين المراحل .
وفى النهاية انصحكم بقراءة كتاب (فقه الأولويات) للشيخ يوسف القرضاوى
الذى القى الضوء على الأولويات بطريقة رائعة .